السبت، 19 يوليو 2008

من انا



ظرفاء ام درمان مقدمة أولى:أحاول ان اجمع سيرة وطرف اكبر عدد من ظرفاء ذلك الزمان الطيب الجميل ليدرك الناس أننا نعرف طريق الابتسامة، فنحن لسنا عابسين، كما يشاع، ولكننا جادون. والفرق شاسع بين الجدية والعبوس... الجدية في موقعها والفكاهة في موقعها؛ اي لكل مقام مقال.ورأيت ان يكون الظرفاء في سلسلة متتالية نبدأ بظرفاء ام درمان، ثم يلي ذلك معظم ظرفاء مدن السودان. وهنا يستطيع القارئ ان يعرف سمات الحياة في تلكم الفترة مثل التهريب الذي كان رائجاً في ذلك الوقت، وهو تهريب البن الذي ذكره العم جادو في موضع ساخر، ثم شيوع صناعة النسيج اليدوي (بت الخبير)، وتفشي مرض الالتهاب السحائي (ود نفاش)، وأن ام درمان المدينة الناهضة تجارياً (ود كولا)، فظاهرة الفكي الذي يلجأ إليه فريق كرة القدم بحثاً عن الفوز، ودار الرياضة مكان الأنس، ومحكمة العمد وحل المشاكل البسيطة، ووفرة المواد التموينية (رأس السكر)، ونعرج على النكتة عند النقاد (مكرم شنودة)، وصناع النكتة المثقفين (محمد حاج حسين وأحمد داود ونحوهم)، كما نلاحظ الحضور النسوي في مجال الفكاهة، وصناع النكتة ايضاً عمال وسائقو سيارات اجرة (تاكسي) وأناس من عامة الخلق، ونتبين ظهور مصطلحات مثل (قراقير ونمرة واحد وطلقا...الخ).* أولاً: لماذا الحديث عن الظرفاء؟نقول: للتوثيق. وخلال هذا التوثيق نوضح للأجيال الحاضرة والآتية اننا أمة تزرع الضحك، ولكن بسبب. لأن المثل يقول: "الضحك من غير سبب.. قلة أدب"، أي اننا نبتغي من ورائه النقد والإصلاح. ولأن الضحك يؤدي في حياة الأفراد والجماعات وظيفة نفسية مهمة من وظائف الاتزان العاطفي.. استمع الى أحد علماء النفس يقول: "إن الوظيفة الأولى التي يقوم بها الموقف الفكاهي هي تخفيف أعباء الواقع عن كواهلنا، وتخليصنا إلى حين من بعض تبعات الحياة الصارمة، والتحرر إلى حين من الواقع الأليم".تنشأ النكات ضد المواضعات الاجتماعية أو القيود الثقيلة المفروضة على الناس نتيجة لبعض الظروف الاقتصادية أو السياسية، والأستاذ شارل لالو Laloعالم الجمال الفرنسي الشهير يقول: "ان ماهية الفكاهة تنحصر في إظهارنا على المثالب والعيوب حتى نضحك منها.. وليس من شأنها على الإطلاق ان تكشف عن المحاسن والميزات حتى نعجب بها".نتحدث عن ظرفاء ام درمان.. عن طرائفهم ونوادرهم وفلسفتهم.. وكيف انهم خففوا عنا كثيراً من العناء والرهق.هؤلاء الظرفاء.. لهم منا العتبى ان لم ندون تاريخهم الظريف، ولهم الحسنى فيما أبرونا به من نكتة صارت مثلاً.. وملحة كانت طرباً.. وسخرية أوجعت فأصلحت وأضحكت.. ففي أم درمان، هذه المدينة التي لا تكف عن الغناء، ظرفاء يشار إليهم بالبنان أمثال: بنت الخبير.. موسى ود نفاش.. أحمد داود.. عبدالكريم الزبير.. عبدالله أرصد.. الهادي نصر الدين.. كمال عبدالجليل (سينا)..وهناك آخرون ليسوا اقل شهرة من اؤلئك وهم: محمد حاجي حسين.. أبوالدفاع.. عكاشة.. بت التور.. (أحمد) الذي علق لافتة كتب عليها (لكل سؤال جواب).. العمل جادو.. العم شديد صاحب (قهوة شديد).. ود كولا.. فريع القرض.. مكرم شنودة.. من يقال له: (كاك.. كاك).. بت البليك.. بنت السوبيا.. من يقال له: (هورد ..هورد).. من يقال له: (ميع.. ميع).. وعثمان نمرة 1.. ودي حجة.. وطلقا.* بنت الخبيركانت امرأة شجاعة وفصيحة وذكية ولماحة، وعندها من سرعة البديهة ما جعلها حاضرة العبارة المقنعة صانعة لكل مقام مقال، فإذا ما لمحت امراً معوجاً مخالفاً لطبيعة الأشياء قومته بلسانها بعبارات سجعية يبقى صداها ما بقيت الأيام، وما تلكم القصة الشهيرة التي كان بطلها نساج ذلك الزمان، وقد قيل والحديث يرويه حفيدها الأخ التوم عبدالرحمن خبير ابن عبدالرحمن خبير، شيخ حارة بيت المال في زمانها الزاهي الذي هو بدرجة محافظ في زماننا هذا.عبدالرحمن خبير كان له وزنه القومي والاجتماعي اذ كان آمراً وناهياً وعطوفاً ومساعداً لأهل ام درمان، وذلك يوم ان فكر نفر منهم في النزوح خارج ام درمان الأم إلى المهدية، وبحكم معرفته لهم ساعدهم على الاستقرار والسكنى وامتلاك الأرض حيث سهل إجراءات حيازتهم لتلك الأراضي.تلك كانت لمحة سريعة أو مدخلاً مقبولاً نلج من خلاله إلى (حبوبتي بت الخبير) هكذا يقول التوم الخبير.. ويرجع سريعاً إلى قصة النساج الذي اعطته حبوبة بت الخبير (فردتها) لإصلاح تلف اصابها.جاءته مرة اثر مرة، ولكنه لم يقم بإصلاحها.. وبعد ان اصابها اليأس جاءته مرة اخيرة وعلمت انه لم يصلح تلك الفردة فطلبتها منه وقالت قولتها الشهيرة:"انت ما غلتان.. غلتانة انا.. البحيب فردتي لي زولا من تحت مدفون ومن فوق مجنون".وكانت تلك العبارة في منتهى البلاغة مما اذهل النساج فوقف محتاراً امام ذلك الهجوم الوصفي الساخر والمعبر.ولشرح عبارة (من تحت مدفون ومن فوق مجنون) التوم الخبير يقول:كان النساج يحفر حفرة في الأرض بحيث يكون نصفه جسمه فيها، وبتلك الحفرة (البكرة) التي امامه على المنسج يحركها مرة إلى اليمين ومرة إلى الشمال مما يجعل النساج غير مستقر في اتجاه واحد، فيلتفت يمنة ويسرة ويبدو كالمجنون، وبذلك تكون (حبوبة بت الخبير) قد نجحت في وصفها وأصابت النساج في مقتل.حبوبة بت الخبير كانت لها علاقات اجتماعية طيبة لا سيما مع الإمام عبدالرحمن المهدي ومولانا السيد علي الميرغني، ومع كثير من بيوتات أم درمان التي تكن لها الاحترام والتقدير.* محطة العم موسى ود نفاشفي ديسمبر 1986 كتبت في جريدة (صوت الأمة) كلمة وداع بمناسبة رحيل ود نفاش بعنوان (وداعاً ود نفاش اسطورة الكوميديا). ودعت ام درمان سيد المرح وإمام الكوميديا المرتجلة التي لا تحتاج إلى مسرح.. كانت الفكاهة تترى في لسانه عذبة اخاذة.. تمسح الهموم وتزيل العبوس والجدية، التي رسمت ملامحها على وجوهنا الصارمة التي صلتها شموس الاستواء.كان (ود نفاش) انموذج الظرف وينبوع الملحة، ونديم العوام، والنبلاء.. فلقد اضحكنا ايام القهر مثلما اضحكنا ايام النعمة.. وصادق الأطفال والكبار وأطرب دواخلهم، واتصل بالزعماء فكانوا يقربونه إليهم.. وما قصة (الفاتحة) ببعيدة عنكم. فلقد ذهب مرة إلى مولانا السيد علي الميرغني، طيب الله ثراه، وطلب منه عوناً مادياً.. فما كان من السيد علي إلا ان رفع يديه إلى السماء وقرأ الفاتحة كناية عن عطائه.. الشئ الذي جعل ود نفاش يترك مجلسه ويتجه في الحال إلى مقر الإمام السيد عبد الرحمن المهدي، طيب الله ثراه، وأعاد طلبه بعد ان روى له قيمة العطاء الروحي الذي ناله من مولانا السيد علي.. فأمر السيد عبدالرحمن في الحين ان يجزل له العطاء.. فأسعفه الموقف وأدركته النكتة التاريخية وقال: " فاتحة أبو علوة تنصرف عند أبو عبده" فأعطى بذلك كلا الرجلين العظيمين حقه.هذه لمحة سريعة في مفرح النفوس أول وآخر ظرفاء المدينة!!

هناك تعليق واحد:

عبدالرحمن خبير يقول...

عبدالرحمن خبير كان له وزنه القومي والاجتماعي اذ كان آمراً وناهياً وعطوفاً ومساعداً لأهل ام درمان، وذلك يوم ان فكر نفر منهم في النزوح خارج ام درمان الأم إلى المهدية، وبحكم معرفته لهم ساعدهم على الاستقرار والسكنى وامتلاك الأرض حيث سهل إجراءات حيازتهم لتلك الأراضي