الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

إنّه الجنون.. مجددًّا


«ربّما كان من الخير أن نحبّ بعقل ورويّة ولكن من الممتع حقًّا أن تحبّ بجنون».
البارونة أوركزي
حال عودتي إلى بيروت، استعدت عادتي الهاتفيّة. بدأتُ صباحي بالاتصال بكاميليا بتوقيت موعدنا عساني أعرف أخبارها. أخيرًا دقّ الهاتف في بيتها ما كان مشغولاً هذه المرّة كما في كلّ مرة حاولت الاتصال بها من الجزائر. لكن المفاجأة كانت أن ردّ عليّ صوت رجل!
من صدمتي اعتذرت منه وأعدت طلب الرقم. لكن الصوت نفسه ردّ على الطرف الآخر من الخط. سألته غير مصدقة تمامًا:
هل يمكن أن أتحدّث إلى كاميليا؟
أجاب الرجل:
ـ إنّها عند الحلاق.
ـ التاسعة صباحًا عند الحلاق؟!
كانت تلك المفاجآت مجتمعة أكبر من أن أستوعبها. كيف أشرح له أن التاسعة صباحًا هي «ساعتي» وأنّه ليس من عادة كاميليا أن تغادر البيت في هذا الوقت. ثمّ، من هو هذ الرجل؟ السؤال الأهم هو هذا بالتحديد. لكن بأيّ حقّ أطرح عليه سؤالاًً كهذا وهو في بيتها. ويردّ على هاتفها في غيابها. قلت معتذرة:
ـ أنا صديقتها.. أحاول الاتصال بها منذ أيام لكن خطّها مشغول دائمًا. أردت الاطمئنان عليها ليس أكثر.
ـ إنّها جيدة.. فقط هي مشغولة بالاستعداد للسفر، سنسافر بعد الظهر، لذا هي مزدحمة بعض الشيء.
ـ تسافران اليوم؟!
كانت نبرتي شبيهة بنبرة عشيق غيّور اكتشف خيانة حبيبته. حاولت تخفيف وقع سؤالي، بسؤال آخر:
ـ إنها مفاجأة.. تسافران إلى أين؟
ـ إلى اليونان.
علّقتُ بنبرة زوج مخدوع:
ـ متى قرّرتما هذه السفرة؟
ـ البارحة... أو بالأحرى منذ زمن.
لم أناقش الرجل في ما يقوله. كنت أريد مناقشتها هي. متى دخل هذا الرجل في حياتها؟ أيكون هو ذلك الرجل الذي التقت به ذلك اليوم في البهو؟ وهل يمكن أن تسافر مع رجل التقت به قبل أيام؟ مثل هذا التصرف لا يشبهها. أو لعلّ الآخر عاد. لماذا لم تخبرني بذلك إذن؟ لعلّها خافت أن أعود وأحذّرها منه، استنادًا إلى عام من العذاب. وماذا لو كان صديقًا قديمًا أو مشروع حبّ سابق وجد الآن فرصته لدخول حياتها. فكثيرون كانوا يتمنّونها حبيبة ويحسدون من اختارته وأخلصت له من دون الرجال. كان في وفائها المرضيّ له إهانةً معلنةً لرجولتهم ربما عادوا الآن ليجرّبوا حظّهم. كنت سأستدرجه للكلام. عساه يقول ما يشي به. لكنّه هو من قال ما فاجأني:
ـ سأخبرها أنّك اتصلت. ثمّ أضاف بضحكة مخاتلة: ألست صديقتها التي تحرّضها على النسيان؟
أفقدتني سخريته المهذّبة صوتي. وامتلأت غيظًا. كيف لم تحتفظ بسرّ كهذا. وأفشت به لأوّل رجل دخل إلى حياتها. أو لذاك الذي عاد إليها وقضيتُ شهرين أقنعها بنسيانه. يا لحماقة النساء!
أجبته مدارية إحراجي:
ـ كنت فقط أساعدها كي تتماثل للشفاء.
ـ تقصدين تتماثل للشقاء. وعندما تكون قد نسيت كلّ شيء هل ستكون أسعد؟ وُجد الحبّ لينسيك الموت. لذا كلّما تنازلت عن مساحة من ذكرياتك تقدّم الموت واحتلها.

ليست هناك تعليقات: